د. عز الدين الكومي
كاتب مصري
أنه لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها “مالك بن عوف النصري” فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم .
وبعيداً عن الاستطراد يحضرني هنا أحد المشاهد قبل بدء الغزوة ؛ فقد كان “عوف بن مالك” يقود جيش المشركين ودار بينه وبين أحد خبراء عسكرية الجاهلية – وقد جاوز عمره مائة سنة وفقد بصره ، لكنه لايزال يحتفظ بذاكرة متقدة متوهجة حريص على أن لا يورد قومه المهالك – هذا الخبير العسكري هو : “دريد بن الصمة” .
وكان ساعتها شيخاً كبيراً ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وهو من بنى جشم- وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري.
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حطَّ مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجارٍ له يقاد به – أي هودج صغير موضوع على ظهر البعير.
سمع دريد أصوات النساء والأطفال والحيوانات من غنم وإبل وبقر فسأل عن أرض المعركة : بأي واد أنتم؟ قالوا : بأوطاس ، قال: نعم مجال الخيل ! لا حَزْنٌ ضَرس، ولا سهلٌ دَهس (الحزن : الوعر ، والضرس : ما خشن من الآكام والأخاشيب ، والدهس والدهاس: المكان اللين من الأرض الذي يغيب فيه قوائم الدواب) .
ثم سأل : ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعارالشّاء؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، قال: أين مالك؟ قيل : هذا مالك ودعي له ، فقال : يا مالك .. إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء ؟ قال مالك : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال: ولم ذاك؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم ، فأنقض به – زجره كما تزجر الدّابة – ثم قال : راعي ضأن والله!! ، هل يرد المنهزم شيء ؟إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : ما فعلتْ كعبٌ وكلابٌ ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم مافعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، قال: ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران – والجذع من الرجال : الشابُّ الحَدَثُ ، يا مالك : إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحورالخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنَّع بلادهم وعليا قومهم ، ثم ألق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك مَنْ وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال مالك : “والله لا أفعل ذلك ،إنك قد كبرت وكبر عقلك ، والله لتطيعنّي يا معشر هوازن أو لأتَّكئنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري” ، وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛فقالوا : أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني :
ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع .
والشاهد في إيراد هذه القصة هو التقارب والتشابه الشديد بينها وبين نصيحة رئيس الشاباك الأسبق”عامي أيالون” والتي دعا فيها لعقد صفقة
شاملة لتبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيوني ، مؤكداً على أنه “لن تكون هناك صورة نصر لهذا الكيان ، وإن كان هناك شخص يعتقد أن الفلسطينيين سيستسلمون فهو لايعرف الفلسطينيين ولاحماس ، وإن ما حدث خلال الأشهر الأخيرة ليس حربا .. إنما معركة أخرى في الحرب المستمرة على استقلالنا ، والعقيدة الخاطئة في إسرائيل افترضت أن الفلسطينيين ليسوا شعبا ، وإن أتحنا لهم رفاها اقتصاديا سيتنازلون عن حلم الاستقلال !! ، ولكن في نهاية المطاف فإن الفلسطينيين يعتبرون أنفسهم شعبا ذا كرامة وهم مستعدون لأن يقاتِلوا ولأن يُقتَلوا في سبيل استقلالهم” .
وقال أيضًا : “انتصرنا في مارس ٢٠٠٢ في القمة العربية في بيروت لأن الدول العربية استسلمت ورفعت الراية البيضاء” .
وقال كذلك : “أي صفقة تتضمن عودة جميع الرهائن يجب علينا قبولها حتى وإن تم إطلاق سراح مروان البرغوثي ، لأن عودة الرهائن هي الأقرب إلى”صورة النصر”في غزة ، ولأن مروان البرغوثى هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه لقيادة سلطة فلسطينية موحدة وشرعية في الطريق إلى حل سلمي” .
لكن من الواضح أن نتن ياهو لايختلف كثيراً عن عوف بن مالك وسيفشل في تحقيق أي نصر في غزة كما فشل سلفه في تحقيق أي نصر على عدوه .
وها هو يصرّ على عدم إيقاف الحرب كما أصرَّ صاحبه ، وسيُهزم كما هُزِمَ بإذن الله .
فنتن ياهو يريد حرباً بلا نهاية ليضمن استمراره في السلطة ، لكنه في النهاية سيُمنى بهزيمة قاسية له وللكيان الصهيوني اللقيط بعد أن قتل منهم الآلاف وجرح أضعافهم ، فضلاً عن تدهور الحالة النفسية لنحو نصف سكان الكيان الصهيوني بحسب وسائل إعلامهم .